THOUSANDS OF FREE BLOGGER TEMPLATES

06 مايو 2009

ولماذا يحتـــار السلطان؟


ولماذا يحتـــار السلطان؟
بقلـــم: د. درية شرف الدين ٥/ ٥/ ٢٠٠٩

يا ســـلام .. فعــلاً أوحشتنا جدًا يا توفيق يا حكيم يا صاحب الكلمة الراقية والفكرة البراقة والصياغة العبقرية، يا من سطرت لك اسمــًا في تاريخ الأدب والفن والفكر المصري وها أنت تسطع بيننا من جديد كلما أطلت علينــا كلماتك وبرقت في عقولنا أفكارك، أمسية مع "السلطان الحائر" وما كان بحائر حقــًا في مسرحيتك حلّقت بنا إلى أعلى وأعادت إلى خشبة مسرحنا هيبة ورفعته كثيرًا وأضاعت تحت ركام الغث من النصوص الهزيلة.

كتب الأديب الكبير توفيق الحكيم المسرحية عام ١٩٥٩ ونشرها عام ١٩٦٠، في نفس السنة التي حصل فيها على جائزة الدولة التقديرية في الآداب من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، بعدها بثلاث سنوات وعلى المسرح القومي قُدمت المسرحية بأبطالها سميحة أيوب ومحمد الدفراوي وفاخر فاخر وأخرجها فتوح نشاطئ، وبعد خمسين سنة بالتمام والكمال وعبر عروض كثيرة لها داخل مصر وخارجها باللغات الفرنسية والسويدية والأذربيجانية تعرض علينا الآن نسختها الحديثة القديمة على المسرح الحديث.

ونعود إلى عام ١٩٥٩ عندما قرر توفيق الحكيم أن يكتبها، وقتها كان قد مضت سبعة أعوام على الثورة التي كانت قد رفعت ضمن شعاراتها الستة شعار بناء حياة ديمقراطية سليمة أو ديمقراطية قوية، على العموم لا فرق فلم تكن هناك حياة ديمقراطية قوية ولا سليمة ولا متينة في الخمسينيات من القرن الماضي التي شهدت إضعاف البرلمان والسلطة التشريعية لصالح الرئيس والسلطة التنفيذية، وإلغاء الأحزاب، وتصدرت هيئة التحرير المشهد السياسي وكانت التشكيل الأول لما أعقبها من أشكال الحزب الواحد الحاكم والمهيمن.

سيطر العسكر على كل مناحي الحياة وعلى كل المناصب في الدولة وولدت فكرة الـ٩٩% في نتائج الانتخابات وبدأ اللعب بالدستور، وانصرف الشعب طواعية أو كرها عن مضمار السياسة حيث لا يعلو صوت فوق صوت المعركة، أو بمعنى أصح فوق صوت الحاكم والحكومة، وانزوى القانون وتآكل، وبرز سيف السلطة، وتأرجحت العدالة وتأكدت فكرة القوة.

كان هذا هو الإطار السياسي للحياة المصرية في الخمسينيات من القرن الماضي – اتفق معي البعض أو اعترض – وقت أن كتب توفيق الحكيم مسرحية "السلطان الحائر" فهـل كـان هـذا المفكر بعيدًا عما يجري حوله في بلده وبما كان يناقض فكره وأمله في الثورة وفي تغيير حياة الشعب المصري حتى ولو كان في باريس مندوبـًا لمصر بمنظمة اليونسكو مطّلعـًا على أحوال الغرب متشبعـًا بالثقافة الفرنسية، على وجه الخصوص، ثقافة الحرية والمساواة والاحتكام إلى القانون وهو رجل القانون.

سُئل توفيق الحكيم وقتها عن مسرحيته الجديدة ومن أين استمد فكرتها أجاب بدهاء وذكاء (إنه هو هذا الصراع الدولي العتيق بين القانون ممثلاً في هيئة الأمم المتحدة، والقوة الممثلة في القنابل الذرية الهيدروجينية، أي القوة والقانون، المبدأ والسيف)، أسترجع هذه الإجابة الآن التي سطرها من حاور توفيق الحكيم وقتها حول مسرحيته ولا أملك إلا ابتسامة ماكرة هي الأخرى تميل إلى الاستنتاج الأول عن أصل المسرحية وفصلها والتي ربما قد أخفاها الأديب الكبير وقتها حتى يُكتب لها الحياة في النشر والظهور على خشبة المسرح.

وقد أعدت قراءة مسرحية "السلطان الحائر" كاملة بعد أن شاهدتها مؤخرًا في شكلها الجديد على المسرح الحديث، وهي للمخرج المبدع عاصم نجاتي ومن اختياره، وأدوار البطولة بها للفنان القدير محمد رياض، والاكتشاف المبهر حنان مطاوع والفنانين الكبار مفيد عاشور وخالد جمال، أشعارها التي تعترض عليها الرقابة يوميـًا لمصطفي سليم وتصميم الديكور والأزياء لمحمود سامي والموسيقى والألحان لهشام طه.

المسرحية عناصرها كلها جيدة ومتكاملة تعتمد بشكل كبير على الخطوط الرئيسية للنص الأصلي الذي كتبه الأديب الكبير توفيق الحكيم مع بعض الإضافات التي تشير في البداية إلى أنها من حكاوي ألف ليلة وليلة ثم النقيض الذي يشير إلى رجل يشارك في المسرحية يرتدى الأزياء الحديثة ويتحدث في المحمول ربما ليقول أيضـًا إن ما تطرحه المسرحية يصلح لكل زمان، وما تطرحه يتلخص في حيرة سلطان بين أن يختار أن يحكم بالقوة والسيف أم بالقانون ومبادئ العدالة، قال له القاضي: (لك الخيار يا مولاي السلطان، السيف يعطى الحق للأقوى ومن يدرى غدًا من يكون الأقوى؟ فقد يبرز من الأقوياء من ترجح كفته عليك، أما القانون فهو يحمى حقوقك من كل عدوان لأنه لا يعترف بالأقوى إنه يعترف بالأحق).

وعندما تردد السلطان في الاختيار أضاف القاضي: (الآن ما عليك يا مولاي سوى الاختيار بين السيف الذي يفرضك ولكنه يُعرّضك وبين القانون الذي يتحداك ولكنه يحميك).

واختار سلطان المسرحية (القانون) ورفض سيف السلطة، انحاز للمساواة وطبق مبادئها على نفسه رغم تحذير الموتورين وأصحاب المصلحة، تحدى نفسه والنفس أمارة بالسوء واختار أن يحتمي بالعدل فأنصفه العدل والحق، اختار السلطان وما احتار، صحيح أوحشتنا يا توفيق يا حكيم.

2 التعليقات:

الشارده يقول...

انا نفسى فعلا اشوف المسرحيه دى
او اقرا الروايه

Cinderella يقول...

أنا أول مرة أسمع عنها بصراحة بس محتواها شدني بجد .. أصل توفيق الحكيم ده أسلوبه بيخنقني بجد :D .. كنت درست له مسرحية في الليسانس ومش عايزة أقولك على الأصرار النفسية منهـا :D