يأتينا يوسف زيدان بكتاب جديد صادر عن دار الشروق في القاهرة هو «اللاهوت العربي وأصول العنف الديني».
بدأ الكتاب بتنويه يدعو للتساؤل عن مغزاه الحقيقي حيث كتب «لم يوضع هذا الكتاب للقارئ الكسول، ولا لأولئك الذين أدمنوا تلقي الإجابات الجاهزة، عن الأسئلة المعتادة. وهو في نهاية الأمر كتاب، قد لا يقدم ولا يؤخر».
وأعقب التنويه مقدمة طويلة مثلت حوالى 22 في المئة من المحتوى الكامل للكتاب، تشتمل على أقوال تمهيدية متضمنة حقائق خاصة بالديانات الثلاث الإسلام، والمسيحية، واليهودية. ثم تعريف بمصطلح «اللاهوت العربي» حيث أكد أن ثمة نقاطاً مفصلية، مهمة ومهملة، تجمع بين تراث الديانتين الكبيرتين: المسيحية والإسلام، وبين تراث الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، حيث رأى أنها ديانة واحدة ذات تجليات ثلاثة. ثم يتحول إلى الإشارة إلى أقوال سبعة هي محصلة مقدمة «اللاهوت العربي وأصول العنف».
وجاء القول الأول: في سماوية الدين بالضرورة، حيث أوضح عادة الناس في أيامنا الحالية، بأن يصفوا اليهودية والمسيحية والإسلام، تحديداً، بأنها ديانات سماوية. ولم يكن الأوائل، ولا الأواخر من العلماء، يستعملون هذا الوصف أو تلك التسمية للديانات الثلاث. غير أن صفة السماوية طفرت في ثقافتنا المعاصرة فجأة كوصف معتاد للديانات الثلاث، وشاع استخدامها في كتاباتنا وكلماتنا اليومية؛ من دون انتباه إلى أن أي دين، أياً كان، هو بالضرورة سماوي لغةً واصطلاحاً. ولكن زيدان أكد أن الأصح، إذا أردنا تمييز الديانات الثلاث المشهورة عن غيرها، وصفها بأنها ديانات رسالية أو (رسولية) لأنها أتت إلى الناس برسالة من السماء، عبر رسول من الله أو نبي. سواء جاء هذا الرسول بكتاب، أو عولت دعوته على كتاب سابق، فكان نبياً. ومن هنا، كانت اليهودية هي رسالة موسى وأنبياء العهد القديم، وعلى المنوال ذاته، كان الإسلام هو رسالة النبي محمد، التي تلقاها من الله عبر الملاك جبريل، ورأى أن وصف الديانات الثلاث بالسماوية، هو وصف غير دقيق.
القول الثاني: في أن الديانات الثلاث هي في حقيقة أمرها ديانة واحدة ظهرت بتجليات عدة، عبر الزمان الممتد بعد النبي إبراهيم الملقب في الإسلام بأبي الأنبياء، والذي هو في المسيحية جَد المسيح. فكانت نتيجة هذه المسيرة الطويلة، تلك التجليات الثلاثة الكبرى في الديانات التي يحفل كل منها بصيغ اعتقاديه متعددة، نسميها المذاهبَ والفرق والنحل والطوائف.
القول الثالث: في فحوى مقارنة الأديان، حيث أكد زيدان أن كتابه هذا ليس بحثاً في مقارنة الأديان بالمعنى المعروف لهذا التخصص، أو هو العلم الذي يقارن بين الأديان، بأن يعرض لكل دين على حدة، بقضاياه كلها، ثم يعرض لدين آخر على المنوال ذاته؛ فيرصد وجوه الاختلاف والاتفاق بين ديانتين أو أكثر، بحسب عدد الديانات التي يتعرض لها مقارن الأديان.
القول الرابع: في المنهج حيث أكد زيدان أن المنهج الذي أنطلق منه، يتلخص في محاولة التجرد من الميول والاعتقادات الدينية والمذهبية، سعياً للوصول إلى الموضوعية اللازمة لتفسير الظواهر الدينية.
وفي القول الخامس قدم زيدان مجموعة فرضيات، منها، فرضية أساسية مفادها أن التراث العربي/ الإسلامي، لن يمكن فهمه أو الوعي به، من دون النظر المتعمق في الأصول العميقة لهذا التراث. وإلى جانب هذه الفرضية الأولى، هناك فرضية ثانية مفادها أنه في حالة التزامن والمعاصرة بين الدوائر التراثية المتداخلة، فإنه لا يشترط بالضرورة، أن يؤثر الأقدم زمناً في الأحدث منه أو التالي عليه. فأحياناً يحدث العكس، فيؤثر اللاحق في السابق حين يتعاصران. ومثال، ذلك استكمال المنظومة الدينية اليهودية لذاتها، اعتماداً على الديانتين التاليتين عليها (المسيحية، الإسلام) بإدخال فكرة البعث أو القيامة وما يتعلق بها من الأخرويات، وهو ما خلت منه النصوص اليهودية المبكرة (التوراة، أسفار الأنبياء الكبار) وتم إدخالها في النصوص اليهودية المتأخرة ومن هنا صارت عقيدة البعث، جزءاً رئيساً من الديانة اليهودية. وهو جزء رئيس، تأخرت إضافته قرابة سبعة قرون. والفرضية الأخيرة، مفادها أن اختلاف اللغات المعبر بها عن المفاهيم والاصطلاحات الدينية، قد يوهم بأن هذا المفهوم أو ذاك المصطلح، مختلف الدلالة بين العرب والسريان واليونان، مع أن المعنى المراد واحد. غير أن اختلاف اللفظ بين اللغات، قد يؤدي إلى الظن بأن المعنى مختلف. ومن ناحية أخرى، قد تؤدي الترجمة بين هذه اللغات، إلى تغيير مسميات الأشياء الواحدة فتصير كأنها متعددة، حتى في أسماء الأشخاص. مثلما هي الحال في يسوع الذي هو عيسى ذاته، ويوحنا المعمدان الذي هو يحيى بن زكريا، والعذراء القديسة التي هي الصديقة مريم ابنة عمران، أخت هارون.
القول السادس: في تداخل الدوائر والتي يرى فيها زيدان أن التراثيات المتزامنة والمتعاقبة، هي دوائر متفاوتة المساحة بحسب ما أعطاه هذا التراث أو ذاك لأهل زمانه، وللإنسانية من بعدهم، وهذه الدوائر قد تتماس أو تتداخل، وفقاً للظروف.
أما القول السابع وهو في ضبط المفردات ويوضح زيدان أن هناك اصطلاحات وألفاظاً وتسميات سوف يستخدمها كثيراً في هذا الكتاب، ولطالما استخدمها الباحثون من قبل حتى بهت معناها الأول وغام مدلولها، من فرط طفوها فوق سطح كلامنا المتكرر. ولذلك يرى من الضروري أن ينظر بعمق في دلالاتها، حتى تنضبط وتتحدد بدقة. تلافياً للتشوش الدلالي، وللغموض الذي طالما أحاط بالكتابات التي تناولت هذه المنطقة المجهولة من تراثنا المشترك، بل عانت منها عموماً تلك العلوم المسماة بالإنسانية.
وأول ما يتوجب الانتباه إليه في هذه الناحية، هو تلك الصيغ المختلفة التي تكتب بها أسماء الأعلام ومشاهير الرجال، فهؤلاء ترد أسماؤهم وتتردد في الكتابات المعاصرة بأشكال مختلفة، قد يفهم معها أن هذا الشخص غير ذاك، مع أنهما واحد! وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، منها الأسقف «نسطور المرعشلي» الذي ولد بقرية مرعش العربية القريبة من حلب، وهى البلدة المسماة باليونانية: جرمانيقي. وكذلك أستاذه، الأسقف تيودور، الذي يشار إليه كثيراً باسم: يودوروس الموبسويستي، ويقال له أيضاً: تيودور المصيصي لأن بلدة المصيصة، كانت تسمى باليونانية: موبوسويستا.
القول الثامن: فحوى اللاهوت العربي، وهو في الكلام عن دلالة هذا المصطلح الجديد، «اللاهوت العربي» أو فحواه. ذلك أن فصول الكتاب، كلها، هي بيان لذلك، وتبيان لهذا المعنى الذي يقصد المؤلف إليه. فهو يرى ببساطة، أن الديانة المسيحية لم تعرف (اللاهوت) قط، إلا من خلال بعض المحاولات التي أرادت أن تنتقل بالفكر الديني المسيحي، من الاشتغال بحقيقة المسيح، إلى الانشغال بالذات الإلهية. وهذه المحاولات مرفوضة أرثوذكسياً، أو هي ما يسميه الأرثوذكس بهرطقات، أي المذاهب الدينية المنحرفة عن الإيمان القويم.
وهذه المحاولات «الهرطوقية»، ظهرت في منطقة الهلال الخصيب التي سادت فيها الثقافة العربية في العصر المسيحي، قبل ظهور الإسلام بقرون. وهي التي أدت بشكل مباشر، إلى صياغة الأرثوذكسية ذاتها، وإلى صيغ قانون الإيمان المتعددة.
واختتم زيدان هذه المقدمة المشتملة على تلك التمهيدات، بتأكيده أن الكتاب لم يؤلف من أجل «المتعمقين» في دراسة علم الكلام الإسلامي، من ناحية، ولا «المتوغلين» في اللاهوت المسيحي، من الناحية الأخرى. إذ أن غالبية أولئك وهؤلاء، انشغلوا فقط بالجانب الذي فيه يدرسون ويبحثون، فلم يلتفتوا إلى الجوانب الأخرى الخارجة عن مجال نظرهم وميدان اهتمامهم.
وجاء الكتاب بعد هذه المقدمة في سبعة فصول وخاتمة وفصل منفصل عن جدلية العلاقة بين الدين والعنف والسياسة، والذي أرى من وجهة نظري أنه كان يجب أن يأتي قبل الخاتمة كفصل ثامن، أو كان يجب الإشارة إليه كملحق للكتاب، فالخاتمة بمعناها اللغوي هي التي يختم بها المؤلف الكتاب وما يأتي بعدها يكون في شكل ملاحق وجداول ومصطلحات لغوية..الخ
وجاء الفصل الأول بعنوان «جذور الإشكال.. صفات الله في التوراة»، وتناول هذا الفصل العديد من الإشكاليات التي وردت في التوراة كحقائق، اعترفت بها المسيحية اعترافاً كاملاً، بينما نظر لها الإسلام بعين التشكك باعتبارها محرفة عن نصها الأصلي. ومنها إشكالية «صورة الله». حيث تجاوزت تلك الصورة أسماء الله، ومنها «آدوناي، الرب، يهوه، ياهو، إيل، إلوهيم»، إلى طبيعة الله وصفاته. ثم واصل زيدان في هذا الفصل عرض صفات الله التوراتية التي أظهرت الله في بعض المواقع غاضباً غيوراً من أبناء الله المفتونين بالنساء، أو حزيناً نادماً على خلق الإنسان في الأرض، أو حائراً وثائراً على البشر جميعاً. ثم حزيناً نادماً على خسفه الأرض بالطوفان، أو قلقاً لأكل آدم من شجرة المعرفة فبات عارفاً مثل الإله، كذلك إظهار صورة إنسانية للإله. وتناول في هذا الفصل حقيقة مهمة، مفادها أن ما يطرحه القصص التوراتي لا تقتصر خطورته على ما يطرحه من صفات بشرية يصعب إلحاقها بالذات الإلهية، ولكنها تمتد إلى قلب منظومة القيم الإنسانية التي نادت بها الحضارات البشرية والديانات الرسالية، حيث صار القتل مقبولاً والزنا بالمحارم كما في قصة النبي لوط مع ابنتيه جائزاً.
ويرى المؤلف أن الشروح والتأويلات التي قدمت عبر تاريخ اليهودية من أجل إبقاء القداسة على تلك النصوص التوراتية كانت أبطأ في الانتقال من اللغة التي كتبت بها التوراة، وهو ما أثر في الانتباه لخطورة تلك النصوص. ليبقى الإشكال العميق قائماً حتى جاءت المسيحية.
وجاء الفصل الثاني بعنوان «الحل المسيحي من الثيولوجيا إلى الكريستولوجيا»، حيث أوضح زيدان أن الديانة المسيحية طرحت نفسها على أنها امتداد للديانة اليهودية، ثم تطورت بعد حين، وقدمت ذاتها للبشرية كلها، على أنها حركة إصلاح وتصحيح عام لليهودية، وبذلك أعطت حلاً للمشكلة المطروحة في الفصل الأول، بأن أكدت وجود الله مع الإنسان في الأرض، لتتوافق بذلك مع اليهودية، ثم رفعته ثانية إلى السماء، حيث الموضع الذي يليق به.
وكان المسيح هو صيغة الخلاص من مشكلة اندماج الله مع الإنسان، واندراجه وكان المسيح بالمفهوم الديني المسيحي، هو صيغة الخلاص الإنساني من مشكلة الخطيئة الأولى التي اقترفها آدم، ثم ورثها أبناؤه من البشر.
والمسيح في العقيدة الأرثوذكسية، القبطية منها وغير القبطية، هو الرب الكامل، وهو الإله المتجسد، وهو هو. وعلينا هنا أن ننتبه إلى هذا المصطلح الأخير «الهو هو» الذي ظهر لأول مرة في المناقشات الكريستولوجية المتعلقة بطبيعة السيد المسيح «يسوع، عيسى، خريستو، كريستوس» وهى المناقشات الحامية الحادة، التي جرت بين الكنائس الكبرى قبل ظهور الإسلام. ثم ظهر هذا المصطلح «الهو هو» عربياً بعد الإسلام، وتوسع المتكلمون المسلمون «المعتزلة» وأفاضوا في هذا المفهوم، حتى صار نظرية كلامية شهيرة، تعالج مشكلة الصفات الإلهية عند المسلمين، انطلاقاً من الرؤية المعتزلية القائلة إن صفات الله غير زائدة على ذاته. ويشير زيدان إلى خلاف آخر نشأ بين المؤرخين الكنسيين حول توقيت ظهور الأناجيل، وترتيب ظهورها، مؤكداً أن أقدم مجموعة للعهدين القديم والجديد يعود زمن كتابتها إلى منتصف القرن الرابع الميلادي، وهي محفوظة الآن في الفاتيكان وتعرف باسم لاتيني هو «كودكس فاتيكانو»، إلا أن الحقيقة الواضحة لمؤلف (اللاهوت) هي أن كثرة الأناجيل قبل اعتماد الأربعة الشهيرة منها (متى، مرقص، لوقا، ويوحنا)، وما تضمنته من تعبيرات مجازية، كانت ذات تأثير مباشر وقوي في نشوب الجدل حول ماهية وطبيعة السيد المسيح، وبمعنى آخر بشريته «الناسوت»، وربوبيته «اللاهوت»، إلا أنه وبعد الاعتراف بالمسيحية كواحدة من ديانات الإمبراطورية الرومانية في مرسوم ميلانو عام 313 ميلادية، تم إرساء نظم وتحديد الاعتبارات الكفيلة بالحفاظ على الديانة المسيحية، وهو ما تم عمله بشكل تنظيمي عالمي في القرن الرابع الميلادي في مجمع «نيقية» المسكوني، واجتمع فيه 318 أسقفاً من أنحاء المسكونة وتقرر فيه «قانون الإيمان» الذي عدل مرات عدة في مجامع كنسية تالية لمواجهة ما عرف باسم «الهرطقات».
ويقول زيدان: «إذا تأملنا في قانون الإيمان النيقي وبداية أقدم الأناجيل الأربعة، إنجيل متى، فسوف يظهر على الفور أن الإيمان المسيحي ينطلق من المسيح، ويستقر أخيراً عنده. بل ترتبط الديانة كلها بالمسيح ابتداءً من اسمها «المسيحية» المشتق من اسمه في كل اللغات. وعلى العكس من حال المسلمين الذين ينزعجون من تسمية دينهم باسم نبيهم، مثلما يفعل بعض المستشرقين حين يسمون الإسلام بالمحمدانية أو المحمدية، ينزعج المسيحيون من تسمية دياناتهم باسم آخر، غير المسيحية كالنصرانية مثلاً أو ديانة الثالوث».
وفي الفصل الثالث «النبوة والبنوة.. فهم الديانة، شرقاً وغرباً» واصل المؤلف البحث التاريخي للديانات البشرية حيث بدأ بشرح الفروق بين الكنائس الغربية (غرب فلسطين) والكنائس الشرقية التي كانت تقع شرق فلسطين في الجزيرة العربية والهلال الخصيب، ليبرهن على صحة المقولة الخاصة بتأثر الديانات بما سبقها من تراث، بالإضافة إلى البيئة التي بزغت فيها.
ويبدأ دكتور زيدان بالمنطقة الغربية مثل مصر واليونان والبحر المتوسط، ثم منطقة الهلال الخصيب والجزيرة العربية وتوضيح الاختلاف بينهما. ويختتم المؤلف الفصل بتوضيح أن ما يسمى في التراث المسيحي باللاهوت إنما هو لاهوت لا يتعلق بالله ذاته بل بالمسيح الذي صار الله حين صارت الكلمة جسداً بحسب الفهم الأرثوذكسي لطبيعة يسوع.
وبدأ فصله الرابع بتأكيده أن الأرثوذكسية كانت ترى في الهرطقات خطرًا شديدًا على المسيحية أكثر من اليهودية والوثنية اللتين نجحت في القضاء عليهما تدريجياً ومحاصرتهما من خلال كتابات الآباء في الكنيسة، بعد ذلك استعرض نماذج لأشهر المهرطقين، مثل «إبيون» و «بولس السميساطي» و«لوقيانوس»، و«آريوس» و«مقدونيوس»، و«أبوليناريوس»، و«كيرلس» و«نسطور» ثم عرض بعض ما نادوا به من أفكار، وأوضح زيدان في ختام هذا الفصل حالة العالم المسيحي حتى ظهور الإسلام، حيث كان هناك شعور يقيني أنه لا بد من إيجاد حل لاختلال واختلاف العقائد المسيحية ما بين الصيغ المتعددة لقانون الإيمان، ورسائل الحرومات، وبنود اللعنات التي يصبها الكل فوق رأس الكل.
وفى هذه اللحظة المسيحية الحرجة نزل القرآن، وهي إشارة مثيرة للجدل من المؤلف بربطه للديانات الثلاث، بحيث أن كل ديانة تالية للأخرى تأتي كامتداد لها ومصححة لها، وهي النقطة التي تضع الكتاب في موضع مثير للجدل من هذه النقطة، فهل من المتصور أن الإسلام أصله المسيحية، وهل المسيحية أصلها اليهودية؟ وتأكيداً على ذلك جاء الفصل الخامس بعنوان «الحل القرآني..إعادة بناء التصورات» والذي احتوت صفحاته على قصة الإسلام وبداياته، وجزء بعنوان أحسن القصص حيث أن تسمية القرآن بأحسن القصص يشير بالضرورة إلى قصص آخر، أقل حسناً، ثم تطرقه إلى حقيقة المسيح في القرآن.
أما الفصل السادس «كلام الإسلام..الوصلة الشامية العراقية» حيث قدم المؤلف تصوراً ثورياً لعلاقة علم العقيدة (علم الكلام الإسلامي) باللاهوت المسيحي العربي الذي ظهر على يد آريوس ونسطور وغيرهما من رجال الكنيسة الذين عاشوا في منطقة انتشار الثقافة العربية (الهلال الخصيب: سورية والعراق) قبل ظهور الإسلام بقرون والفصل السابع «اللاهوت والملكوت..أطر التدين ودوائره». والذي نظر فيه زيدان إلى مسألة «أن الجوهر في اليهودية والمسيحية والإسلام، واحد. وأن عمق النسق الديني الرسالي (الإبراهيمي) يمتاز بسمات عامة، وبنيات نظرية أساسية؛ كانت دوماً وستظل دائماً، كامنة في النسق الكلي لهذا الدين بتجلياته وتنوعاته الثلاثة، المسماة اصطلاحاً باليهودية والإسلام والمسيحية» من زاوية التدين لا الدين، أي الزاوية التي يتعبد بها الناس، ويفهمون من خلالها الدين، الذي هو في نهاية أمره نصوص لا تنطق بذاتها، وإنما ينطق بها الناس ويستنطقونها بحسب ما تنتجه العملية الجدلية والحركة التفاعلية الدائمة، بين الديانة ذاتها والمتدينين بها. ثم أخذ في الحديث عن دوائر التدين وأطره النظرية وهي بالترتيب كما وردت في الفصل «الإنابة»، «الإبادة»، «الخروج».
وفى خاتمة الكتاب قدم بعض الخلاصات العامة والفوائد المستخلصة من مسيرة الكتاب، وفقاً للرؤية التي عرضها في المقدمة والفصول السبعة، وأوردها في صورة أقوال كتلك التي أوردها في المقدمة، وهي كالآتي:
القول الأول: في سبب ظهور علم الكلام
القول الثاني: في مسألة التأثير والتأثر
القول الثالث: في صلة الدين بالسياسة
القول الأخير: في صلة الدين بالعنف
القول الثاني: في مسألة التأثير والتأثر
القول الثالث: في صلة الدين بالسياسة
القول الأخير: في صلة الدين بالعنف
واختتم يوسف زيدان كتابه «اللاهوت العربي وأصول العنف الديني» بنظريته الخاصة بارتباط العنف والدين والسياسة، مؤكداً أن العلمانية خرافة لأنه لا يمكن تصور الدين دون سياسة، أو تصور سياسة بعيدة من الدين.
0 التعليقات:
إرسال تعليق