مصــر بلا خنازيـــر

مصـــر بلا خنازيــــر
بقلــم: أسامة هيكــــل ٢/ ٥/ ٢٠٠٩

أتمنى أن ننجح في ذبح كل الخنازير بأسرع وقت ممكن .. فمصر ستكون أفضل بكثير بدون الخنازير.

والخنازير حيوانات تأكل كل شيء ولا تفرق بين القمامة العفنة وأفخر أنواع الطعام .. تأكل الفئران والجيف، بل إنها لا تمانع في أكل جثث غيرها من الخنازير التي تعيش معها وتأكل من نفس مقلب القمامة .. فالكل عندها يتساوى طالما أنه في التراب .. وهي لا تشعر بأي مشكلة في أي تصرف تقدم عليه أو أي حماقة ترتكبها .. فهي خنازير .. لا شيء يمنعها على الإطلاق من فعل أي شيء .. لا تحس، ولا تهتم، ولا ضمير يؤنبها مهما أخطأت حتى ولو كان الخطأ في حق أحد المقربين لها من زملائها الخنازير.

والخنازير مخلوقات بمواصفات جيدة جداً، ولكنها تستخدمها في الضرر دائماً ولا تستخدمها فيما ينفع .. فلديها أنف مميز، وتتمتع بحاسة شم قوية للغاية، وفتحات أنوفها الواسعة في وجوهها المدببة تمكنها من البحث عن الديدان التي تختبئ منها في باطن الأرض، فتنبش عنها وتكتشفها وتلتهمها بنهم .. كما أن أرجلها المؤهلة للسير في الأوحال، تستخدمها في الغوص في الطين بحثـًا عن طعامها الرديء، ولا تهتم إذا اتسخت بطونها بالطين، فالعبرة لديها بالأكل، رغم أنها لا تشبع أبدًا .. وهذه الحواس والإمكانيات تستخدمها الخنازير بقوة في الدفاع عن نفسها.

والخنازير ليس لها لون محدد وواضح رغم رائحتها الكريهة والنفاذة التي لا تختلف باختلاف الموقع الذي تعيش فيه .. فمنها الأسود والأبيض والبني والوردي، بل إن منها أصناف تجمع بين كل هذه الألوان .. ولكن اختلاف الأشكال والألوان، وحتى اختلاف النشأة والتربية، لا تعنى اختلاف الطبائع .. فهي خنازير أولاً وأخيرًا، تلتهم كل ما تجده على الأرض، سواء كان حيـًا أو ميتـًا، ولا فرق لديها بين الصالح والخبيث .. فالمهم أن تأكل وتأكل وتأكل .. فلم نعرف خنزيرًا يترك طعامه لزوجته أو ابنه أو حتى أمه .. ولم نعرف خنزيرًا لديه حياء .. والخنزير بطبعه ديوث لا يعرف الشرف ولا الكرامة حتى لو كان خنزيرًا بريـًا شرسـًًا عنيفـًا قويـًا.
والخنازير في كل دول العالم تعيش في مزارع، ويسعى أصحاب هذه المزارع لتنظيفها، فالخنزير هو أكثر الحيوانات المؤهلة لنقل الأمراض والأذى بكل أنواعه .. وتنظيف مزارعها يقلل قدر المستطاع من إمكانية نقل الأذى للبشر، رغم أنه لا يمنعه .. ولكنها عندنا تعيش وسط مواطنين يخدمونها، وهي خدمة تزيد الطين بلة، وتدعم القذارة في سلوك الخنازير .. فهم يجمعون لها القمامة من كل مكان في مصر، ويلقونها أمامها ليلقفوا منها ما تشاء، بل إن هؤلاء يبللون القمامة أحيانـًا بالماء لإكساب طعام الخنازير مزيداً من القذارة.

وكلما زادت القذارة شعرت الخنازير بالسعادة، فهي ترتاح لهذا المناخ، وليس من مصلحتها أن تعيش في مناخ صحي نظيف، وبالتبعية فإن من يخدمون هذه الخنازير أصبحوا يشعرون بامتنان لهذه الخنازير، ويدافعون عنها بقوة، وتعايشوا معها في هذا الوسط، وأصبحت المصلحة بين الخنازير ومن يخدمونهم واحدة.

فالخنازير هي مصدر الرزق لهم، وتدر عليهم أرباحـًا طائلة .. فحدثت الألفة بينهم وبين الخنازير التي تعيش معهم نهارًا، وتبيت معهم ليلاً وفي نفس المكان .. ولا يتصور من يعيشون حول الخنازير أنهم يستطيعون الحياة بشكل أفضل مما يعيشون فيه، فهم لا يريدون حتى تخيل أنهم سيصبحون يومـًا فلا يجدون الخنازير معهم وحولهم.

والمصريون الطيبون البعيدون عن هذه المواقع أيضـًا لا يمانعون في وجود مزارع الخنازير بكل ما فيها من ممارسات سلبية وخطيرة، فهم يؤثرون السلامة، ويرون أن الخنازير لا تشكل خطرًا مباشرًا عليهم ولا تؤذيهم، فلماذا يتدخلون طالما أنهم يعيشون بسلام بعيدًا عن وجع الدماغ .. هم فقط يسدون أنوفهم كلما اضطرتهم الظروف للمرور بالقرب من إحدى مزارع الخنازير ذات الرائحة التي تفسد المناخ كله.

ولكن الطامة الكبرى حدثت .. وجاء الخطر من حيث لا يتوقع أحد .. فهذه الخنازير أصبحت مصدرًا لأذى عام للمجتمع كله .. أذى لا يبقى ولا يذر، ولا يفرق بين أحد من بني البشر .. فأصبحت تربية الخنازير تعنى فناء البشر، وبقاء البشر يعنى فناء الخنازير .. طبعـًا المحيطون بالخنازير يشعرون أن التخلص منها يعنى التخلص منهم شخصيـًا، فهم فقط المستفيدون من الخنازير وقذارتها ونفاياتها، ولا يزعجهم الفساد الذي تسببه .. وهم لا يريدون النظر بشكل أكثر موضوعية وعقلانية .. فالمستقبل – بالتأكيد – سيكون أفضل إذا خلت الحياة من الخنازير، فغامر بعضهم بحياته لحماية الخنازير، وبعضهم سعى لتهريبها خوفـًا عليها من الذبح.

المطلوب أن يشعر الذين أفنوا ما فات من عمرهم في خدمة الخنازير أن الحياة بدونهم أفضل وأنقى وأصلح للجميع .. ومطلوب أيضا أن يشعروا أن مصلحتهم معنــا وليست مع الخنازير .. فلا يمكن أن يكون مصير ٢٠٠ ألف خنزير فقط في مصر أهم من ٨٠ مليون إنسان مصري.

فعلاً .. الحياة ستكون أفضل بدون خنازير.. أتمنى ذبح جميع الخنازير في مصر قبل أن تنجح هي في قتلنا.